تراهن جهات إقليمية ودولية عدّة على الإتفاق الأميركي الروسي الذي حصل حول الأزمة السورية، والذي يشمل السعي إلى إيجاد حل سياسي للصراع القائم، والتشجيع على عقد مؤتمر دولي في أسرع وقت، لا سيما بعد أن أصبح خطر إنتقال هذا الصراع إلى دول الجوار كبيرا جداً.

طوال الفترة السابقة كانت جميع الجهات تتحدث عن أن حل هذه الأزمة مرتبط بالإتفاق الروسي الأميركي، فهل دخلت منعطفاً جديداً بعد بدء ظهور معالم هذا الإتفاق، وما هي مواقف معظم الأفرقاء السوريين المعنيين منه؟

تقدم روسي وتراجع أميركي

يتحدث الكثيرون عن تغيير قواعد اللعبة على صعيد ​الأحداث السورية​ في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد الإعلان عن إتفاق روسي أميركي لم تتضح معالمه بعد، لكن هناك مجموعة معطيات ساهمت في إنضاجه، بعد أن دخلت الأمور في منعطف خطير جداً.

وفي هذا السياق، يعتبر عضو "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي" ماجد حبو أن هناك عوامل دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى التراجع عن موقفها السابقة، ويشير إلى أن الهدف الأساس لديها هو حماية بعض الدول الإقليمية الحليفة لها، لاسيما إسرائيل التي تعتبر أهم هذه الدول.

بالإضافة إلى ذلك، يرى حبو، في حديث لـ"النشرة"، أن تجربة الولايات المتحدة مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي باتت رقماً صعباً في المعادلة السورية، خصوصاً في أفغانستان والعراق ساهمت في دفعها إلى الذهاب نحو الحل السياسي، ناهيك عن عدم قدرة قوى المعارضة على مختلف أطيافها على تقديم بديل عن الرئيس السوري بشار الأسد.

على صعيد متصل، يؤكد رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب ​محمد ضرار جمو​ أن هناك تعميماً في السياسة الخارجية الأميركية يقضي بخروجها من الأزمات الساخنة في أكثر من منطقة في العالم، لا سيما من الساحة السورية بعد سقوط بنك الأهداف الذي كان موجوداً.

ويعتبر جمو، في حديث لـ"النشرة"، أن واشنطن وجدت أن لا حل أمامها إلا القبول بالحل السياسي، من دون أن ينسى الإشارة إلى أهمية الإنتصارات التي حققها الجيش السوري على أرض المعركة في الفترة الأخيرة، والتي يعتبرها عاملاً أساسياً في تبدل المعطيات السياسية.

في الجهة المقابلة، يرى عضو "الإئتلاف الوطني السوري" ​خالد الناصر​ أن الجانب الروسي كان منذ البداية متشدداً في موقفه الداعم للنظام حفاظاً على مصالحه في المنطقة، في مقابل الموقف الأميركي المتردد، والذي كان يرفض التدخل بشكل مباشر في الأزمة، ويعتبر أن العوامل التي دفعت إلى هذا الإتفاق قد تكون تخفيض الروس من مطالبهم، من خلال التضحية بالأسد مقابل الحفاظ على المصالح عبر صيغة ما.

ويتحدث الناصر، عبر "النشرة"، عن مؤشرات تعزز هذه الرؤية، حيث يلفت إلى أن هناك تأخراً في تقديم المساعدات إلى الفصائل المعارضة، بالإضافة إلى الضغوط التي تمارس على النظام من أجل الحفاظ على توازن يؤدي إلى فرض التسوية.

هل ينجح هذا الإتفاق في إنهاء الصراع؟

على الرغم من الآمال الكبيرة التي تعلق على هذا الإتفاق من أجل وضع حد للصراع الدموي، تطرح أسئلة في هذه المرحلة حول ما إذا كانت فرص نجاحه كبيرة، لا سيما أن البند الذي أدى إلى فشل "إعلان جنيف" في السابق لم يتم حسمه بعد، والمتعلق بدور الرئيس الأسد في المرحلة الإنتقالية، حيث أن كل فريق يُفسر هذا الأمر من وجهة نظره الخاصة.

يعتبر حبو، الذي يؤكد أن الولايات المتحدة تراجعت كثيراً من خلال قبولها بهذا الإتفاق، أن من الواضح أن جزءاً من النظام سيكون له دور في المرحلة المقبلة، ويعتبر أن المعارضة التي لجأت إلى حمل السلاح أخطأت من خلال شخصنتها القضية السورية، ويؤكد أن رفض "الإئتلاف الوطني" المشاركة في حوار لا يتضمن رحيل الأسد لا يشمل كل مكوناته، حيث يلفت إلى أن "الصقور" وحدهم هم الرافضون، وبالتحديد جماعة "الإخوان المسلمين".

حبو، الذي يعرب عن تفاؤله بنجاح هذه العملية التفاوضية، يعتبر أن من المفترض ممارسة الكثير من الضغوط على النظام السوري من أجل الموافقة الجدية على التفاوض، لا سيما أنه يشعر في هذه المرحلة بـ"نشوة" كبيرة بعد الإنتصارات العسكرية التي حققها، إضافة إلى الإنتصار السياسي الذي حصل من خلال هذا الإتفاق، بالرغم من تأكيده أن العملية السياسية أصعب من العملية العسكرية كونها تشهد الكثير من المتغيرات.

من جانبه، يوضح الناصر أن الإئتلاف لم يرفض بشكل صريح حضور المؤتمر الدولي، لكنه يؤكد أن أي حل سلمي يجب أن يبدأ برحيل الأسد وأركان نظامه، ويلفت إلى أن المعلومات تشير إلى أن الأسد لن يكون جزءاً من العملية السياسية في المرحلة المقبلة، ويلفت إلى التصريحات الأميركية التي صدرت في الأيام الأخيرة.

ويعتبر الناصر أن الحسم سيكون خلال لقاء القمة بين الرئيسين فلادمير بوتين وباراك أوباما في السابع عشر من الشهر الجاري، ويؤكد أن الإئتلاف سيقاوم أي حل لا يحقق المطلب الأساسي الذي بدأ من أجله الحراك، ويشير إلى أنه ليس متفائلاً ولا متشائماً في هذه المرحلة، لأن الأمور ستبقى مرهونة بخواتيمها، ويشدد على أن الإنتصارات التي حققها النظام على الصعيد العسكري لا تذكر.

في الجهة المقابلة، يعتبر جمو أنه على الرغم من الإشارات الإيجابية التي يتم الحديث عنها، فإن هذا الإتفاق ليس إلا بداية حل، حيث يؤكد أنه لن يكون ساري المفعول في وقت قريب، لا سيما أن هناك حالة من "الكباش" السياسي بين مختلف القوى الدولية على أكثر من صعيد، ويرى أن الكثير من الملفات لا تزال عالقة بين الجانبين الروسي والأميركي.

وفي ما يتعلق بمواقف القوى المعارضة الرافضة لهذا الإتفاق، يؤكد أنه إذا كان الأميركي يريد التفاوض لن يكون هناك مشكلة، حيث يرى أنه قادر على دفعها نحو الجلوس إلى الطاولة، لكنه يحذر من وجود أجنحة متعددة في الإدارة الأميركية، ويشير إلى أن بعضها لا يريد الوصول إلى حل.